25 – هل تعرف حقيقة الإسلام؟ تسعة أشياء، على الأقل، لا تعرفها عن الإسلام.
|
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى، وخير الهديِ هديُ محمد النبيّ الأمي عليه وعلى كافة الأنبياء والمرسلين صلوات ربّي وسلامه، اللهم علّمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علّمتنا وزدنا علماً.
ممّا حفّزني على كتابة هذه السطور هو ما غَرِقت فيه وسائل ووسائط الإعلام وغيرها من الأبواق من كل حدب وصوب بتخصيص بعض الجرائم وأعمال القتل دون غيرها بأوصاف مثل الإرهاب الإسلاميّ والإسلام الإرهابيّ وما شابه ذلك ممّا يماثلها من افتراءات ومغالطات دون علم أو معرفة لا بالإسلام ولا بالمسلمين.
وأكثر ما تدلّ هذه الافتراءات والمغالطات هو مدى جهل الذين يكتبونها – والعديد ممّن يقرؤونها أيضاً – بحقيقة الإسلام وتاريخ وحضارة وفكر ولغة وواقع المسلمين؛ ولذلك يتمّ التعامل مع الإسلام والتفاعل مع المسلمين من هذا المنظار المشوّه الذي لا يمتّ إلى حقيقة الإسلام بأي صلة، بل هو نتاج ما تنفثه وسائل ووسائط الإعلام المسيطرة على البث والتي لا تهدف إِلَّا إلى زيادة مبيعاتها وعدد مشاهديها ومتابعيها على حساب الامانة العلمية و حرفية المهنة.
لذلك نقول بأنّ ما يسمعه ويقرأه الناس عن الإسلام والمسلمين هو غير صحيح وغير منصف وهو في غالبه أقوال وأفعال وحقائق مجتزأة فاقدة لمعناها الفعليّ ليس لها أيّ دليل صحيح. كما أنّ البعض يشبّهون الإسلام لما يعرفونه أو ينتمون إليه من شرائع فيظنّون أنّه مشابه لها وما هو بمشابه لها؛ هذا بالطبع إذا سلّمنا جدلاً بحسن النوايا، أمّا إذا لم نتغافل عنها فيجب أن يكون لنا لقاء مخصّص لموضوع النوايا وما ورائها.
- الإسلام ليس ديناً فحسب، بالمعنى التقليديّ للدين، الذي يستكين فقط بأداء الشعائر والمشاعر والطقوس والخواطر في أوقات مخصّصة متفرّقة. الإسلام هو منهاج حياة متكامل يقدّم كلّ ما يحتاجه الإنسان في كلّ مكان وزمان وظرف حتّى قيام الساعة من أحكام وأدوات استنباط الأحكام في سبيل تحقيق الإنسانيّة والرحمة والعدالة والمساواة والأخوّة والحريّة والسلام على مختلف الأصعدة والأبعاد؛ وهي القيم العليا التي تصون الإنسان المكرّم وتعمّر الأرض كما يحب الخالق عزّ وجلّ ويرضى. تشتمل هذه الأبعاد على الفرد والعائلة والمجتمع والدولة، كما تغطّي الاقتصاد والسياسة والمال والاجتماع والبيئة والنظافة؛ ويندرج تحتها التجارة والصناعة والحرف اليدوية والوظيفة، للرئيس والمرؤوس؛ وتوجّه الإنسان في ترشيد الإنتاج والاستهلاك.
- الإسلام هو منهاج حياة للفرد والمجتمع والأمّة جمعاء، يجمع بينها كلّها في حين يحترم خصوصيّة كلّ منها، يرعاها ويرافقها من المهد إلى اللحد في كافّة أوقاتها فلا يتركها هملاً. فهو يرافق الفرد منذ اللحظة التي يستيقظ فيها في كلّ حركاته وسكناته، ليدعمه ويثبّته للأخذ بالأسباب والعمل بها، فَيُقَوِّي ضعفه ويجبر كسره ويدفعه لتحسين أدائه وإعطاء أفضل ما عنده، فلا يغفل عنه طرفة عين حتّى يبيت آمناً مطمئناً مستسلماً لله عزّ جلّ ومسلّماً أمره له كما بدأ نهاره.
- الإسلام ينظّم للإنسان وقته ليعطي للعمل حقّه وللراحة الجسديّة والفكريّة والروحيّة حقًها، ولكلّ ذي حق حقّه، فيتابعه حين يتكلّم أو يصمت، وحين يعبس أو يبتسم، وحين يسرّ أو يحزن، وحين يعمل أو يرتاح أو يلعب، وحين ينشط أو يتعب، وحين يتعلّم أو يعلّم، وحين يتاجر أو يصنّع وحين يبيع أو يشتري وحين يأكل أو يشرب أو يلبس، وحين ينتج أو يستهلك.
- لا ينظّم الإسلام علاقة الإنسان بالله عزّ وجلّ فحسب، لكنّه يكون أيضاً ضابطاً للسلوك الأخلاقيّ الراقي فيدير علاقته مع كلّ الناس على أفضل وجه لكي ينشر الإنسان السلام حيثما يحلّ. ينطلق من السلام الداخليّ ليعمّ كل فرد آخر موجود حوله: من أفراد عائلته المباشرة، وعائلته الكبيرة وأقربائه وجيرانه وإخوانه في الإيمان وصولاً إلى إخوانه في الإنسانيّة جمعاء. لا يكتمل إيمانه حتّى يحب لإخوانه ما يحبّ لنفسه، يتكامل ويتعاون ويتعاضد ويتكافل معهم في سبيل إنجاح الدوائر المجتمعيّة التي ينتمي إليها وسلامها على كلّ الأصعدة. يسعى إلى تحقيق المصالح ودفع الأذى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، كما يسعى لإعلاء كلمة الله وتوقيره ونشر كلمته بإقامة العدل والمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر، وحماية الضعيف ونصرة المظلوم ودعم ومساعدة كلّ إنسان.
- الإسلام يدفع بالسلام خارج حدود البشر وصولاً للجماد، فينظّم أيضاً عمليّة فهم الطبيعة ودقائق عناصرها من أجل التعامل بشكل سليم ومتناغم مع البيئة والموارد الطبيعية، وخاصة غير المتجدّدة منها، ويطلب من الإنسان، كلّ إنسان، ترشيد الإنتاج والاستهلاك من أجل الانتفاع من البيئة بأفضل طريقة ممكنة والمحافظة على توازن الطبيعة واحترامها وحمايتها واستدامة مواردها.
- يقدّم الإسلام السلام نموذجاً سامياً يتخلّل كافة أرجاء الحياة، في المعنى والمغزى، في التشريع كما في التطبيق، في العبادات كما في المعاملات، في الصلاة والصوم والدعاء، وفي التحية وردّها، وعند اللقاء وعند الانصراف، وعند الدخول والخروج، وحتّى في الحرب!
- يدعو الإسلام إلى العالميّة إذ إنّه يحضن ويتقبّل أبناء كافة الشرائع الأخرى، خاصّة الشرائع السماوية السابقة، بالرغم من الاختلاف في العقيدة، ويضّمهم إليه دون إكراه على ترك معتقد أو التزام معتقد آخر؛ ويكون التكامل والتعاون بين مكوّنات الأمّة الواحدة جزء لا يتجزأ من كيانها الفريد الذي يضمن في الوقت نفسه خصوصيّة كلّ مكوّن منها.
- يجب أن نذكر أيضاً أنّ الإيمان في الإسلام يبدأ بنيّةٍ في القلب يتبعها قول باللّسان ويصدّقها عمل بالجوارح، ويترجم المسلم ذلك أفعال متناغمة متوازنة صراحة بين حسن العبادات والإحسان في المعاملات.
- الإسلام هو دين التوازنات بين ما يعتقده غير المسلمين من المستحيلات؛ حبكها الإسلام معاً في اتساق وانسجام مبدع بديع حيث يأخذ كل طرف منها مساحة مناسبة له دون تعدٍّ على الطرف الآخر! مثلاً بين العلم والدين، بين الوحي والعقل، بين الغيبيات والمنطق، بين الربّانية والإنسانية، بين الروحية والمادية، بين العبادات والمعاملات، بين الدنيا والآخرة، بين الفرد والمجتمع، بين الأحلام المثالية والأحكام الواقعية، بين الثوابت والمتغيّرات، بين برودة القانون ودفء الحكمة، بين حرفيّة تطبيق الأحكام ومتطلّبات المقاصد الشرعيّة، بين الماضي والمستقبل، بين المسؤولية والحرية، بين الاتباع والابتداع، بين الجحود والجمود، بين الحقوق والواجبات، بين العمل بالأسباب والرضا بالقضاء والقدر، بين متطلبّات عيش الإنسان ومستلزمات الاستدامة البيئيّة، بين الأخذ بالأسباب وقوة الدعاء، بين الاعتزاز والتسامح، بين الرحمة والشدّة، بين الحرب والقتال.
التوازن الدقيق في الإسلام يذكره القرآن الكريم في الكثير من الآيات، بداية من فاتحة الكتاب حيث يعبّر عنه بالصراط المستقيم، وهي أول سورة في القرآن الكريم يقرأها المسلم في كلّ يوم ما لا يقل عن سبعة عشرة مرة لكي تبقى هذا التوازنات المذهلة نصب عينيه.
نعم، الإسلام منهاج حياة عالميّ لكلّ مكان وزمان؛ وهو نهج متوازن مستقيم وسطيّ دون إفراط أو تفريط؛ هو التناغم والتكامل والسلام مع النفس ومع الآخر، مع البشر وغير البشر، ومع كلّ ما يحيط بنا.
هذا ما عندي كمقدّمة مقتضبة موجزة عن الإسلام؛ فإن أحسنت فمن فضل الله عليّ، وإن أسأت أو أخطأت فمن تقصيري.
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على النبييّن والمرسلين أجمعين وعلى خاتمهم المصطفى الأمين.