نظرة في آفاق الإعجاز القرآني: الإعجاز التشريعي مثالاً
|
الإعجاز في اللغة مشتقٌ من عجزُ عجزاً، فهو عاجزٌ. أي: ضعيفٌ. والمعنى: ضعف عن الشيء، ولم يقدر عليه، وهو التحدي وإثبات العجز والضعف وعدم القدرة على فعل شيء خارق، وهو عكس القدرة والاستطاعة، ومنه اشتُقت كلمة المعجزة لعجز الناس عن الإتيان بمثلها.
ومنتهى الإعجاز هو اَلتَّحَدِّي الموجود في القرآن الكريم للناس أجمعين بأن يؤلفّوا مثله والقائم منذ نزول الوحي كما في الآية الكريمة: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء:88). ثم بعد ذلك تحدّاهم بأن يأتوا بعشر سور منه فقط كما في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (هود:13). وفي قمة التحدّي، أكّد أنّهم يعجزون عن الإتيان ولو بسورة واحدة تشبهه فقط كما في قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة:23-24)؛ وثنّى على هذا التحدّي في قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (يونس:38).
وهكذا تتمثّل ظاهرة الإعجاز القرآني في عجز البشر خلال أربعة عشر قرناً من الزمن عن معارضة القرآن الكريم في معناه ومبناه. بادئ ذي بدء، تكشّف الإعجاز اللغويّ والبيانيّ إذ خاطب القرآن الكريم باللغة العربيّة قوماً عرباً أقحاحاً كانوا يتفاخرون بِغِنى لغتهم العربيّة وفصاحتهم وبلاغتهم فتحدّاهم في مكمن قوّتهم وأعجزهم فيها.
وفي خضمّ البلاغة والفصاحة ظهر عَالَم من الأمور الغيبيّة وخاصّة أمور تحقّقت في وقت لاحق لوقت نزول الآيات التي تتحدّث عنها، مثلما تحقّقت الآيات الأولى من سورة الروم بعد سبع سنوات تقريباً من وقت نزولها وكان وقت تحقّقها مطابقاً لتاريخ معركة بدر؛ وكذلك عندما أكّد القرآن الكريم على موت عدد من كبار قريش على الكفر ورَفْضَهم الإسلام لعدد من الأعوام قبل موتهم فعلياً؛ فدعى علماء هذا النوع الإعجاز الغيبي.
وعلى صعيد آخر، بالرغم من أنّ القرآن الكريم ليس كتاب علوم لكنّه يلعب دوراً مُحَفِّزًا على التعلّم والتعليم والتحصيل العلميّ والاستكشاف المعرفيّ في مختلف أنواع العلوم خاصة تلك التي أوردها صراحة أو تلميحاً. وذَكَرَ العديد من الإشارات واللطائف والتوصيفات التي ترتبط بعدّة أنواع من العلوم مثل علوم التشريح والغذاء والفلك وطبقات الأرض والمعادن والحيوانات والنباتات وغيرها التي ظهرت بعض أوجه العلم بها في أزمنة متأخّرة قروناً طويلة عن وقت النزول، وهو ما أصبح يعرف بالإعجاز العلميّ.
ومن ثم تَبَيَّن للناس التشريعات والأحكام الموجودة في القرآن الكريم وَالْمُتَنَوِّعَة بتنوّع وتعقيدات وتطوّر متطلّبات الحياة، فظهر على الملأ ما أصبح يعرف بالإعجاز التشريعيّ. أمّا الإعجاز التشريعي فهو إثبات عجز البشر جميعاً أفرادا وجماعاتً عـن الإتيـان بمثـل ما جـاء ِبه القرآن الكريم من تشريعات وأحكام، مثلما أدرج الشرع الإسلاميّ التشريعات المتنوّعة التي تـتعلّــق بالفرد والأســـرة ومختلف أفراد المجتمع والدولة في آن واحد، تغطّي بشموليتّها مختلف الأبعاد الإنسانية، والروحيّة، والنفسيّة، والفكريّة، والتربويّة، والاجتماعيّة، والسياسّة، والماليّة، والاقتصاديّة، والعسكريّة، والبيئيّة، والقانونيّة، والحقوقيّة، والقضائيّة.
وقِمَّة هذا الإعجاز التشريعيّ أنَّ العرب كانوا في ذلك الوقت أمَّة أمِّية لم تكن لهم ثقافة غير الفصاحة والبلاغة والشعر، وكانت الكتابة نفسها في بداياتها الأولى، ولم يكونوا يعرفون إلّا التَّحاكم إلى العِرْق القبليِّ بأشكال قبليّة بدائيّة بسيطة في حين أنّ ظُهُور قوانين مُتكاملة في أيّ أمَّة من الأمم يكون في الواقع اَلذُّرْوَة العُليا لتقدّمها الحضاريّ.
ومن عظمة الإعجاز أن ترى أنّ لغة القرآن وبلاغته وفصاحته وتصاويره وبيانه وأحكامه وتشريعاته ومختلف أنواع الإعجاز فيه في واقع الأمر متداخلة متشابكة متواصلة مترابطة متراصّة لا ينفصل بعضها عن بعض.
على أيّ حال، فإنّ من ممّيزات هذا الإعجاز التشريعيّ هو الربّانية، والشمول لكلّ الناس بغضّ النظر عن انتماءاتهم، لرعاية مصالح البشر أجمعين؛ كما أنّ الشريعة الغرّاء اشتملت داخلها وكجزء لا يتجزأ منها على عناصر الحيوية والسعة والمرونة والمطواعية التي تتفرّج بها وتجعلها قابلة للتطبيق في كلّ مكان وزمان وفي كافّة الظروف الإنسانيّة. تشتمل هذه العناصر مثلاً أصول الفقه، والمقاصد الشرعية، والقواعد الفقهية، والقوانين (النظريّات) الفقهية والاجتهاد.
ويشتمل التشريع على مفاهيم واضحة جليّة من أرقى الأخلاق الحميدة والمشاعر الإنسانيّة الرفيعة؛ ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مفهوم العدل[i]، وهو يعد مفهوماً محورياً لإقامة الثقافة وإنشاء الحضارة واستدامة العلاقات الوديّة النافعة البنّاءة بين أفراد المجتمع كلّه وطرد العلاقات الهدّامة التي يكرّسها الظلم.
والعدل في الإسلام مفهوم راسخ ومطلب إلهي بإطلاق دون تقييد، كما في قوله تعالى: {فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (الشورى:15)، وكذلك في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء:58)؛ كما أن الله حرّم مقابله الظلم كذلك بإطلاق دون تقييد: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل:90). بل إنّ تحقيق العدل مقصداً من مقاصد التشريع الإسلامي، من حيث حرص وتشدّد الشريعة في تحقيق العدالة بكافة أنواعها وعلى مختلف الأصعدة وكافّة الأحكام سواء أكانت تنظم علاقة المسلم بربّه، أو بنفسه، أو بغيره. كما يتجاوز العدل الفرد وصولاً إلى المجتمع والأمّة فيعمل على تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد الثلاثة، بالنظر إلى تحقيق المصالح ودفع المضار.
والعدل أيضاً هو القصد في الحكم والقسط فيه وهو الوسطيّة كذلك، ويتحقّق العدل باعطاء كل ذي حق حقهّ دون أي نقصان أو زيادة على حساب الآخرين، أو بتحقيق التوازن بين طرفين أو أكثر. ولا يجب أن تمنعنا أي معطيات من تحقيق العدالة ولو كان الموضوع خاصاً بنا أو بالأقربين منّا، كما أمر الله في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء:135). وفي المقابل، لا يجب أن يمنعنا من العدل أنّ أحد الأطراف عدو أو باغض لنا كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:8).
عن طريق تطبيق العدل يتمتّع جميع أفراد المجتمع بحقوقهم ويلزموا بواجباتهم مهما كانت انتماءاتهم الدينيّة أو العرقيّة أو الاجتماعيّة أو الماليّة أو لون بشرتهم. والعدل في تشريعاته من المنطلق النظري والعمليّ في الإسلام مطلق لا يخضع لأي معايير ثانية أبداً مهما كانت. وطُبّقت العديد من المظاهر الناصعة للعدل في صلب تركيبة المجتمع الإسلامي، منها على سبيل المثال لا الحصر العدل في التنظيم الأسريّ، ومنها العدل في تنظيم العلاقات بين مختلف أطياف الناس، ومنها العدل في المعاملات التجاريّة والاقتصاديّة والماليّة، وغيرها الكثير.
وأرسى التشريع الإسلاميّ شبكة من التوازنات الفريدة التي تميّزه عن كافّة التشريعات الأخرى التي عرفها الإنسان في العالم، توازنات بين أمور يرى بقيّة الناس استحالة جمعها فتطغى لديهم احداها على الأخرى فيضيعوا عن سواء السبيل فلا يستطيعون تحقيق الوسطيّة مثلاً؛ مثل التوازن بين المادة والروح، وبين الفرد والمجتمع، وبين الكمال والواقعيّة، وبين التوسط والاعتدال، وبين الثابت والمتغير، وفي اَلتَّدَرُّج في الأحكام، وفي مراعاة درجات البَشَرِ في العقل والفهم، وَعُلُوّ اَلْهِمَّة وضَعْفِها. كمثال على هذا التوازن، نرى أنّ الحكم القطعيُّ من الأحكام هو العامُّ، وغيرُ القطعي تتفاوت فيه الأفهام، فيأخذ كلُّ أحد منه بما أَدَّاهُ إليه عمله، والاثنان مقبولين ويعمل بهما.
وأحد الأمثلة الأخرى على الإعجاز التشريعيّ هو آية الدَّيْن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:282)، وهي أطول آية في القرآن الكريم، إذ جمعت في صفحة واحدة منه أصول أحكام كافّة أنواع المداينات، فذكر منها الأئمة المفسّرين رحمهم الله تعالى جميعاً خمسين أو أكثر من هذه الأحكام. ومن بين هذه الأحكام دعت الآية إلى توثيق الدين عن طريق الكتابة منعاً للشقاق والريبة والخلاف والخطأ والسهو ولكي يعلم كل ذي حقّ حقّه وبقصد حماية هذه الحقوق. أمّا كاتب العقد نفسه، فدعت الآية أن يكون الكاتب عدلاً ملمًّا بالعقد، وبطرق توثيق العقود ومعاملات الناس؛ وبيّنت الآية أيضاً كيفيّة توثيق العقود بشكل واضح تكون شروطها صريحة معلومة، وبطريقة عادلة فلا يميل الكاتب إلى طرف في العقد دون آخر، وحدّدت حقوق وواجبات وظروف كلّ من أطراف العقد، والشهود، وكاتب العدل. وفي الآية دعوة إلى تخصيص خبراء بهذا الموضوع في المجتمع للقيام بهذا الدور، وهو ما يعرف اليوم بِكُتـَّاب العَدْل وهذه التسمية مقتبسة أصلاً من النصّ القرآني.
ومن الأمثلة الأخرى على الإعجاز التشريعي نظام الزكاة، النظام الماليّ العام، النظام الاقتصادي العام، نظام التربية والتعليم، نظام الأسرة، آداب الطعام والشراب، النظام السياسي العام، تفعيل العمل الحر في التجارة والربح وتحريم الربا، تحريم الميسر، مكافحة الجريمة، تحريم الكحول، نظام المواريث، الأحوال الشخصية، التكافل والتضامن الاجتماعي، حماية ورعاية وتفعيل دور الضعفاء في المجتمع، حماية ورعاية الحيوان، حماية ورعاية البيئة في ترشيد الإنتاج وترشيد الاستهلاك، النظام القضائيّ، التشريع الجنائي في القصاص، التشريع الدولي العام والخاص مثلما هو في دستور المدينة، قانون الحرب والسلم والأمان مثلما طبّق في العهدة العمريّة، وقانون الرق.
وإذا نظرت نظرة شاملة إلى كلّ هذه الأنواع من الإعجاز واستعرضت بعض الأمثلة عن كلّ منها، لا يمكنك إلاّ أن ترى بعد مراجعتك أنّ الشرع الإسلاميّ هو المعجزة الأعظم حيث لا يزال الملايين من المسلمين، وحتّى من غير المسلمين، منذ أكثر من ألف وأربعمائة وأربعين عاماً ينهلون من هذا الكتاب المعجز الذي لا ينضب بل يتفجّر علماً وتحفيزاً في كلّ زمان ومكان وظرف؛ ولا نزال نحن نسبر أغواره ونكتشف فيه من المعجزات على شتّى أنواعها، ناهيك عن المعلومات التي نستقيها منه في كلّ دروب الحياة، ثمّ نقول مع القائل كم ترك المتقدمون للمتأخرين!
سبحانك ربّي ما أكرمك، وسبحانك ربّي ما أعظمك، لك الحمد والشكر على نعمك ما ظهر منها وما خفي ما ذكرك الذاكرون وما غفل عن ذكرك الغافلون.
[i] في معجم لسان العرب؛ العدل: ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور، عدل الحاكم في الحكم يعدل عدلا وهو عادل من قوم عدول وعدل، الأخيرة اسم للجمع كتجر وشرب، وعدل عليه في القضية فهو عادل، وبسط الوالي عدله ومعدلته، وفي أسماء الله سبحانه: العدل وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه; لأنه جعل المسمى نفسه عدلا وفلان من أهل المعدلة، أي: من أهل العدل، والعدل: الحكم بالحق، يقال: هو يقضي بالحق ويعدل، وهو حكم عادل: ذو معدلة في حكمه، والعدل من الناس: المرضي قوله وحكمه، وقال الباهلي: رجل عدل وعادل جائز الشهادة، ورجل عدل: رضا ومقنع في الشهادة. والعدالة والعدولة والمعدلة والمعدلة كله: العدل، وتعديل الشهود: أن تقول إنهم عدول، وعدل الحكم: أقامه، وعدل الرجل: زكاه. وفلان يعدل فلانا، أي: يساويه، ويقال: ما يعدلك عندنا شيء، أي: ما يقع عندنا شيء موقعك، وعدل الموازين والمكاييل: سواها، وعدل الشيء يعدله عدلا وعادله: وازنه، وعادلت بين الشيئين، وعدلت فلانا بفلان إذا سويت بينهما، وتعديل الشيء: تقويمه، وقيل: العدل تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مثلا، والعدل والعدل والعديل سواء، أي: النظير والمثيل.