قد تفاجؤك بعض هذه المعلومات الإثني عشر عن الوضوء
|
الحمدُ للهِ وحدَهُ والصلاةُ والسلامُ على مَنْ لا نبيَّ بعدَهُ، اللهمَّ لا علمَ لنا إلا ما عَلّمْتَنا إنكَ أنتَ العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ عَلِّمْنا ما ينفعُنا، وانفعْنا بما عَلَّمْتَنا وزدْنا علمًا؛ واجعلْنا ممن يستمعونَ القولَ فيتّبعونَ أحسنَهُ، وأدخلْنا برحمتِكَ في عبادِكَ الصالحينَ.
مِنْ عظمةِ الخالقِ جلّ جلالُهُ وفضلِهِ العظيمِ على عبادِهِ المؤمنينَ أنْ جعلَ لهم مجرّدَ أدائِهِمُ العباداتِ التي فرضَها عليهم على وجهِها الصحيحِ كما يحبُّ ويرضى كفّاراتٍ لذنوبِهِمْ، ومِنْ هذه العباداتِ الجليلةِ عبادةٌ عظيمةٌ وقربةٌ رفيعةٌ للهِ تعالى، ألا وهي الوضوءُ.
- تتبلورُ عظمةُ الوضوءِ أنّهُ نصفُ الإيمانِ[i]، فإنّهُ يطهِّرُ ظاهرَ الإنسانِ كما يطهِّرُ الإيمانُ باطنَهُ.
- كما يكفي الوضوءَ جلالًا أن يكونَ واجبًا للصلاةِ[ii]، فلا تُقبلُ صلاةٌ دونَ وضوءٍ وهو شرطٌ لصحتِها[iii]، وإذا صلّى ثمَّ تبيّنَ لهُ أنّهُ ليسَ على وضوءٍ وجبَ عليهِ الوضوءُ وأنْ يعيدَ الصلاةَ.
- فحسبُنا مِنَ الوضوءِ أنّهُ كفّارةٌ لذنوبِنا، فمَنْ أحسنَ الوضوءَ مراعيًا آدابَهُ لوجهِ اللهِ تعالى وتباركَ خرجتْ ذنوبُهُ كلُّها مِنْ جسدِهِ[iv]، وتطهّرتْ منها أعضاؤُهُ وأطرافُهُ، وكانَ مِنَ المتطهّرينَ[v].
- ومِنْ أسبابِ غفرانِ الذنوبِ وعلوِّ المنزلةِ والدرجاتِ في الآخرةِ أنْ يُكرِهَ أحدُنا نفسَهُ على الوضوءِ على أتمِّ صورتِهِ معطيًا إيّاهُ حقَّهُ مِنَ الماءِ عندَ كلِّ عضوٍ، مثلًا حينَ تكونُ المياهُ قاسيةَ البرودةِ أو يكونُ أحدُنا شديدَ المرضِ، وفي حالاتٍ كهذهِ حينَ يدفعُ نفسَهُ دفعًا إلى استكمالِ الوضوءِ محتسبًا أجرَهُ عندَ اللهِ تعالى[vi].
- أمّا المحافظةُ على الوضوءِ، ففيها مفتاحُ الجنانِ، فسيدُنا بلالٌ الحبشيُّ رضي اللهُ عنه وأرضاهُ -مؤذنُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ- سبقَهُ إلى الجنّةِ بسببِ حفاظِهِ الدائمِ على الوضوءِ كلّما أحدثَ، وعلى ركعتيْ تطوّعٍ لوجهِ اللهِ تعالى بعدَ كلِّ وضوءٍ[vii].
- والمحافظةُ على الوضوءِ أمرٌ يسيرٌ علينا في رمضانَ مثلًا أو حتّى في أيّامِ صيامِ التطوّعِ، أو عندما يكونُ أحدُنا في إجازةٍ أو عطلةٍ، حيثُ يسهُلُ أمرُ الوضوءِ خلالَ النهارِ، وهذا فوزٌ عظيمٌ.
- كما أنَّ مِنْ اكتمالِ وقوّةِ إيمانِ المرءِ، ومِنْ دلائلِ تباعدِهِ عنِ الرياءِ، حفاظُهُ على الوضوءِ خلالَ النهارِ ما استطاعَ إليهِ سبيلًا[viii] فيجدّدُ أحدُنا وضوءَهُ كلّما أحدثَ، ويبقى مداومًا بذلكَ على طهارةٍ مستحبّةٍ، وإنْ لم يكنْ وقتُ صلاةٍ، وإنْ لم يكنْ ينوي الصلاةَ.
- وتأسيًا بالرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ يُستحبُّ تجديدُ الوضوءِ عندَ كلِّ صلاةٍ[ix]، وإنْ كانَ بإمكانِنا الصلاةُ أكثرَ مِنْ مرّةٍ على وضوءٍ واحدٍ، مثلًا قد نستطيعُ إقامةَ صلاتَيِ الظهرِ والعصرِ وسننِهِما على وضوءٍ واحدٍ.
- ومَنْ بادرَ منّا إلى إحياءِ سنّةِ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ بالوضوءِ قبلَ النومِ وضوءَهُ للصلاةِ[x]، فينامُ على طهارةٍ، باتَ معهُ ملَكٌ يستغفرُ لهُ[xi]. وحبّذا لو استكملَ ذلكَ بطهارةِ القلبِ بالتوبةِ وإزالةِ كلِّ حقدٍ ومكروهٍ وضغينةٍ.
- ويُستحبُّ أيضًا عندَ الاستيقاظِ مِنَ النومِ المبادرةُ إلى ذكرِ اللهِ تعالى أولًا، ثمَّ الوضوءُ ثانيًا، ثمَّ صلاةُ ركعتينِ، وفيها تجديدُ العهدِ وتجديدُ النشاطِ روحًا وقلبًا وجسدًا[xii].
- وأمّا يومَ القيامةِ فيتميّزُ أصحابُ الوضوءِ عنْ غيرِهِمْ بالنُّورِ في وُجوهِهم وأيديهم وأرجلِهم مِنْ أثَرِ الوضوءِ، ويعرفُهُمُ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بها[xiii].
- من سنن الوضوء أنّها عبادة عظيمة، تعلّمنا بأبلغ الطرق الاعتدال في الانتفاع من الموارد الطبيعية بأفضل الطرق، بل وحماية البيئة من الإسراف والتفريط في كلّ من نقوم به من أعمال ولو كان من أعظم العبادات. [xiv]
جعلنا الله وإيَاكم من المثابرين المحظوظين أصحاب هذه العبادة العظيمة التي تفتح أمامنا أبواب المغفرة على مصراعيها.
[ii] يقول الله سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطّهروا}.[المائدة:6]. قد ذكر الله في هذه الآية فروض الوضوء المتفق عليها عند أهل العلم.
[iii] ((لا تُقْبَلُ صَلاةُ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ))، صحيح مسلم 225، وصحيح البخاري 135.
[v] قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222].
((ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغُ، أوْ فيُسْبِغُ الوَضُوءَ ثُمَّ يقولُ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ؛ إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِن أيِّها شاءَ.))، صحيح مسلم 234.
[vi] ((أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟)) قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ((إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ))، صحيح مسلم 251.
[vii] أصبحَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ فدعا بِلالًا فقالَ: ((يا بلالُ بمَ سبقتني إلى الجنَّةِ ما دخلتُ قطُّ إلَّا سمعتُ خَشْخَشتَكَ أمامي)) … وقالَ لبلالٍ ((بمَ سبقتني إلى الجنَّةِ قالَ ما أحدثتُ إلَّا توضَّأتُ وصلَّيتُ ركعتين)). أخرجه الترمذي 3689، وأحمد 23046 واللفظ له.
[viii] ((استَقيموا ولَن تُحصوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكُمُ الصَّلاةَ ولا يحافظُ علَى الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ)). صحيح ابن ماجه 226.
[ix] ((لولا أن أشُقَّ على أُمَّتي لأمَرْتُهم عندَ كلِّ صلاةٍ بوُضوءٍ، لأمَرْتُهم عندَ كلِّ صلاةٍ بوُضوءٍ، ومع كلِّ وُضوءٍ سِواكٌ))، أخرجه أحمد 7513 باختلاف يسير مطولاً، وأخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم قبل حديث (1934) مختصراً، وأخرجه مطولاً النسائي في “السنن الكبرى” 3043، وأحمد 7513.
[x] ((إذا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، وقُلْ: “اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَهْبَةً ورَغْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولا مَنْجا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بكِتابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ”، فإنْ مُتَّ مُتَّ علَى الفِطْرَةِ فاجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ))، الْبُخَارِيُّ 247، وَمُسْلِمٌ 2710.
[xi] ((من بات طاهرًا بات في شِعارِه ملَكٌ، فلا يستيقظْ إلا قال الملَكُ : اللهم اغفر لعبدِك فلانٍ، فإنه بات طاهرًا)) أخرجه البزار كما في “كشف الأستار” للهيثمي 288، والعقيلي في “الضعفاء الكبير” (3/362)، والطبراني (12/446) (13621) باختلاف يسير.
((إنَّ أُمَّتي يُدْعَوْنَ يَومَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنكُم أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ))، صحيح البخاري 136، وصحيح مسلم 246.
((تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الوَضُوءُ)). صحيح مسلم 250.
[xiv] ((كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَغْسِلُ، أوْ كانَ يَغْتَسِلُ، بالصَّاعِ إلى خَمْسَةِ أمْدَادٍ، ويَتَوَضَّأُ بالمُدِّ))، صحيح البخاري 201، وصحيح مسلم 325. والمُدُّ يَعدِلُ مِقْدارُ ما يَمْلَأُ الكفَّينِ، والصَّاعُ كَيلٌ يَسَعُ أربعةَ أمْدادٍ. وهذا الحديث إخبارٌ عن القَدْرِ الذى كان يَكْفِيهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لا أنَّه لا يَجوزُ ما زادَ على ذلك.
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ بسعدٍ وهو يتوضأُ فقال ((ما هذا السَّرفُ يا سعدُ)) قال أفي الوضوءِ سرفٌ قال ((نعم وإن كنتَ على نهَرِ جارٍ))، حديث حسن، أخرجه ابن ماجه (425)، وأحمد (7065).